تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

إنّها ليست قصصًا، بل.. مفاتيحَ للذاكرة

كتبت الزميلة فيفيان طنوس:

بات الوعي بالتاريخ والجغرافيا الفلسطينية اليوم حاجةً مُلحة أكثر مما مضى، بالأخص للأطفال، فإن إدراك الطفل الفلسطيني لها وفهمه جذورَه وقضيته، تعد عناصرَ أساسية لبناء شخصيته وعلاقته بهويته، وشعوره بالانتماء والثقة والارتباط بالأرض التي هو امتداد لها. يتجلّى هذا الوعي -الذي يحتاج إلى رعاية وتغذية مستمرة حتى يتشكّل بقوة وثبات- مستقبلاً بأشكالٍ متعددة. 


انطلاقًا مما سبق؛ جاءت تجربة العمل مع الأطفال بشكل قَصدي وموجَّه من خلال الاستناد على أدب الأطفال الفلسطيني، لبناء جسر يربط بين أدوات جاذِبة، كالعالم القصصي، والمعارف التي يمكن أن تثري مخيلتهم وحصيلتهم المعرفية واللغوية، في سبيل بناء وتطوير رحلة تعلّم واكتشاف غنيّة، بما يضمن ديمومة الأثر.


وقع الاختيار على سلسلة قصص ثرية كُتبت بعناية فائقة ومسؤولية كبيرة، كما أنها رُسمت بألوان جاذبة، وهي سلسلة "قرانا الباقية فينا"، لنبيلة إسبنيولي. جمعت هذه السلسلة بين تاريخ فلسطين وإرثها، وأعادت إحياء الخارطة الفلسطينية التاريخية، مسلطةً الضوء على قرى مهجرة أو مهدد بالاندثار كالطنطورة والبصة ومعلول ومجيدل، والسجرة وصفورية والبروة، وعكست ثقافتها، كما استحضرت مجموعة أعلام، كناجي العلي ومحمود درويش ومي زيادة، إلى جانب قيم متعددة مرتبطة بالمجتمع الفلسطيني كالعونة والتكافل المجتمعي والتعاضد والتحدي والإصرار.


لم يأتِ توظيف هذه السلسلة في أنشطة التعليم المبكر ضمن مشاريع مؤسسة القطان لكونها مجرّد قصصٍ عادية، إنما لكونها مفاتيح للذاكرة الجماعية الفلسطينية، تحفظ ما يجب أن يبقى حيًا في وجدان أطفالنا وإرثهم المعرفي. تعيد الأنشطة -كما القصص- إحياء الأماكن والحياة الفلسطينية، وتذكّرنا بشكل مستمر بأشخاص نعتز بهم وبكل ما قدموه لنا، واصلةً بين الماضي والحاضر، مرسيةً أدوات يمكن توظيفها لبناء الوعي المتجدد في الأجيال القادمة. 


نفذت هذه الأنشطة بمشاركة مجموعة من أطفال بلدة نعلين، غرب مدينة رام الله، متجاوزةً حالة السرد العادية، ببناء أنشطة متكاملة، تُراكم المعارف، وتوظّف الحواس المختلفة، والذهن، وأدوات التفكير، فقد تمّ التعرف على موقع كل قرية مذكورة، وتعيينها على الخريطة الفلسطينية، عدنا بالزمن إلى ما قبل الـ 1948 وشاهدنا أفلامًا عن تلك الحياة التي حلم بها الفلسطينيون بالكثير.  تخيّلنا شخصيات من كلّ قصة ولعبنا أدوارًا كما لو أننا هم ونشاهد عالمنا اليوم وما يحدث فيه، فعبّر الأطفال عن الكثير مما يجول في نفوسهم من مكنونات ومخاوف وتساؤلات وأفكار. ثم اختتمت اللقاءات بأعمال فنية من تنفيذ الأطفال، بما يحاكي القصص التي سمعوها واشتبكوا معها، وعادوا بها إلى بيوتهم بكل فخر، كذاكرة تأبى أن تفنى، وقصصٍ حية باقية.