اختتم مشروع "المواقع" الثلث الأول من برنامجه المخصص للطفولة المبكرة، الذي أطلق بالشراكة مع مركز نعلين المجتمعي، في خطوة استراتيجية تهدف إلى تطوير بيئة تعليمية مجتمعية شاملة تخدم عدداً من روضات القرى الواقعة في محيط بلدة نعلين.
ويقوم المشروع على تحويل خمس روضات إلى وحدات تطوير تشاركية مجتمعية، وهي: روضة الياسمين (بيت لقيا)، روضة نادي خربثا (خربثا بني حارث)، روضة براعم الجانية (الجانية)، روضة المشاعل (دير أبو مشعل)، وروضة نور النموذجية (شقبا). وقد شاركت في المشروع حتى الآن 35 مشاركة، من بينهن 26 مربية و9 من الخريجات الساعيات إلى بناء خبرة مهنية نوعية في مجال الطفولة المبكرة، إلى جانب مجموعة من أهالي الأطفال ضمن إطار تعزيز الشراكة الفعالة بين الأسرة والروضة.
خلال الثلث الأول من المشروع، تم تنفيذ 9 لقاءات تدريبية مكثفة للمربيات والخريجات بمعدل 54 ساعة تدريبية، عُقدت في كل من مركز نعلين، ومركز القطان الثقافي في رام الله، وتزامنت مع تطبيقات عملية نفذت مع الأطفال في داخل الروضات، إضافة إلى عقد ورشتين للأهالي في كل من روضتي الياسمين/بيت لقيا، ونور النموذجية/شقبا، حيث جاءت هاتان الورشتان التأسيسيتان لتعريف الأمهات بالنهج الجديد الذي يتم توظيفه في الروضة، ولبيان أهمية العلاقة التعاونية بين البيت والروضة كحجر أساس في توفير بيئة تعليمية تعلمية متكاملة تدعم الطفل، وتلعب دوراً مؤثراً وإيجابياً في نموه وتعلمه، ولتؤكد، أيضاً، على أن التواصل والتفاعل المنتظم بين الأهل والمعلمين، يزيد من قدرة الطفل على التكيف الاجتماعي، ويدعم تطور مهاراته المعرفية واللغوية والاجتماعية.
حول ذلك، توضح المختصة التربوية والمشرفة على هذا المسار والمنفذة له؛ فيفيان طنوس: "عندما يشعر الطفل بأن هناك انسجاماً وتوافقاً بين بيئته المنزلية والروضة، فإن ذلك يوفر له إحساساً بالأمان والاستقرار، ما يدفعه إلى استكشاف العالم من حوله بثقة وفضول. إلى جانب ذلك، فإن المشروع يرى في مشاركة الأهل فرصة في التعرف على النهج التعلمي الجديد الذي تستخدمه المربيات مع الأطفال داخل الروضة، ومساحة للانخراط في الأنشطة والفعاليات، وفرصة قوية في التعرف عن كثب على أطفالهم وملاحظة تطورهم الاجتماعي واللغوي والحركي في سياق جماعي. كما تمثل مساحة لاستكشاف نقاط القوة لدى أطفالهم، ومهاراتهم الفريدة، واهتماماتهم الشخصية التي قد لا تكون قابلة للملاحظة في البيئة المنزلية".
وأكدت طنوس أن "الروضة، كوحدة تعلمية مجتمعية، لم تعد مجرّد مؤسسة تعليمية تقليدية، بل أصبحت فاعلاً رئيسياً في تشكيل النسيج الاجتماعي، من خلال بناء قنوات تواصل بين المعلمات والأهالي، وتحفيز الأطفال على الانخراط الفاعل في بيئة تعليمية تحترم إيقاعهم الخاص وتدعم تطورهم الشامل".
وكانت هذه اللقاءات شهدت حضوراً مميزاً وتفاعلاً ملحوظاً من الأمهات وترحيباً كبيراً إزاء النهج التعلمي الجديد الذي تنتهجه الروضة كوحدة تطوير، كما أبدين ارتياحاً للتغييرات التي لاحظنها في سلوك أطفالهن وفي أساليب التفاعل داخل الروضة، ما يعكس الأثر المباشر لتفعيل الشراكة المجتمعية في العملية التعليمية.
حول ذلك تقول المربية رهان عاصي من روضة الياسمين بيت لقيا: "أنا جديدة في حقل التعليم، ولأول مرة أشارك في دورة تعليمية. شعرت بداية بالخوف والتردد، لكن بعد حضور اللقاءات الأولى بدأ شعوري يتغير وشغفي يزداد، وبدأت أشعر بأن لغتي مع أطفالي بدأت تتطور بشكل ملحوظ، علاقتي معهم اختلفت، أصبحت أقرب منهم وأكثر مشاركة معهم في تعلمهم، ما انعكس بشكل إيجابي وإبداعي على سلوك أطفالي ونظرتهم إلى دورهم في الصف".
أما الطالبة والمتدربة ضمن المشروع، منة إبراهيم سرور، فقالت: "أنا ما زلت في بداية طريقي نحو بناء خبرة عملية معرفية في مجال تعليم الأطفال، وكل ما اكتسبته حتى اللحظة ساعدني كثيراً في أن أفهم بشكل أفضل دوري، وما يتوقعه الأطفال مني، وأن أفهم أيضاً عالم الطفولة وتحدياته. فلقد استطعت عبر اللقاءات أن أفهم معنى التعليم ضمن سياق وأهميته وعلاقته بتعليم الأطفال من جهة، وبربطه بالحياة من جهة أخرى، ما يعزز عند الطفل حب الاستكشاف والبحث والتساؤل".
يمثل مشروع نعلين امتداداً لتوجّه مؤسسة عبد المحسن القطان في توطين التدريب في مناطق جغرافية محددة، استجابة للتحديات السياسية والقيود المفروضة على التنقل في الضفة الغربية، حيث تسعى المؤسسة إلى خلق بدائل واقعية تعزز من صمود المجتمعات المحلية عبر التعليم النوعي.
الجدير بالذكر أن المشروع في مرحلته القادمة سينظم مجموعة من اللقاءات الصيفية التي ستركز على تمكين المربيات من نهج دراما عباءة الخبير، إضافة إلى لقاءات مختصة بالموسيقى في علاقتها بتعليم الطفولة المبكرة، إلى جانب التحضيرات لعقد نادٍ صيفي يستهدف أطفال بلدة نعلين.
بهذا، يكون مشروع "الطفولة المبكرة في المواقع" قد وضع أسساً متينة لمجتمع تعليمي تفاعلي، يجعل من الروضة نقطة انطلاق لتغيير أوسع في البنية التعليمية والاجتماعية، ويؤسس لمفاهيم جديدة حول التربية بوصفها فعلاً مجتمعياً تشاركياً مستداماً.