
نظمت مؤسسة عبد المحسن القطان، يوم السبت 27 أيلول 2025، مسارًا تفاعليًّا لاستكشاف فضاءات المؤسسة، والتدخلات الفنية المقامة في حدائقها ومرافقها ومساحاتها العامة، ضمن مشروع "على الواجهة"، بمشاركة 6 فنانين/ات شباب، تفاعلوا في عملية بحث واستكشاف موازية لهذه المساحات، ولعلاقة الجمهور العام معها، وأعادوا التفكير فيها، كمساحة فيزيائية، وكحيّز تُصاغ فيه العلاقات الاجتماعية، وتُختبر فيه أشكال الحضور، والتمثيل، والانتماء.
اعتمد المسار الذي أشرف عليه صبحي خوري وفرح العالم بمساعدة من ريتشارد أصبح، على سلسلة من الألغاز، أو المهام، التي يتوجّب على الجمهور حلّها، للانطلاق إلى المحطة الثانية من المسار، متفاعلين مع الفنانين/ات أيضًا، ومع تدخلاتهم الفنية وانعكاس علاقتهم بالمشهد الصوتي والبصري المحيط فيها، متخيِّلين المبنى في حالات متعددة، كحالة الهجر والإخلاء القسري، وعدم الاستغلال الأمثل، معيدين التفكير في إمكانياته واستخداماته.
تأتي فكرة المشروع كما تصفها القيمة المساعدة، ياسمين حليلة، في ظل زمن تتقلص فيه المساحات العامة، ماديًا ومعنويًا، متأثرةً بسياسات تُمارس يوميًا، كإغلاق الساحات، أو حجب الوصول إليها في لحظات التوتر، أو تغيير شكلها وهندستها لأسباب سياسية. وكسؤال عن دور المؤسسات الثقافية أو الفنية أو التعليمية في هذا السياق، وفي حال لم تكن هي من توفر هذه المساحات، كيف يتجمع الناس؟ وأين؟ وكيف يمكن أن نعيد التفكير في هذا التلاقي بمنظار الفن؟
كذلك تُخرِج هذه الفكرة الفنّ من مساحته المألوفة والمحصورة في مفهوم المعرض الكلاسيكي، إلى الفضاء العام، طارحةً تساؤلًا حول قدرة الفن على استغلال مساحات أخرى أكثر انفتاحًا، في الحيز وعلى الجمهور. كما تنطلق هذه التجربة، بأخذ المعرض خارج تجربة الافتتاح، والجولات التقليدية، المعتمدة على أن يجول طرف آخر بالجمهور حول الأعمال، ويشرح لهم عنها، إلى تكليف الجمهور نفسه بمسؤولية استكشاف الأعمال، وبطرق تتطلب منهم التفاعل معها، وقضاء الوقت في ذلك، واستكشافها، بشكل مباشر أو غير مباشر، وبالتوازي استكشاف المبنى ومرافقه، مما جعل اختيار أمكنة هذه الأعمال جزءًا من العمل نفسه، وهو ما نراه في عمل "أخضر – رمادي" للفنانتين نسرين طحّان، وربى الفراونة، في مَصَفّ السيارات، والذي يقلب ما نراه خارجًا مع ما هو موجود في الداخل، ويجعل من واحد صدىً للآخر، أو يُسقِط ما هو طبيعي مكان ما هو غير طبيعي، معيدًا وصل الداخل بالخارج، عبر عنصر معماري – بيئي: مشربيّة من ألياف الصبر.
في معنى مشابه، تستحضر الفنانة جيسكا عزيزة في عملها "بين زمنين" لعبة "الجلول/ البنانير"، التي كانت تلعبها وهي صغيرة في شوارع حارتها في القدس، وهو ما لم يعد موجودًا أو متاح فعليًا، مُحضِرَة هذه "الجلول" إلى داخل المؤسسة، معلِّقة إياها بالسقف، مما يجعلها موجودة لكن من صعب الإمساك بها، أو اللعب بها، لكنها أبقت على أن يظلّ هذا التركيب الفني مطلًا على الحديقة.
حول هذا التداخل بين المساحة ومفهوم العمل، تقول الفنانة دعاء عمري عن عملها "لعبة المعرفة": "اختيار موقع العمل قرب مكتبة القطان يحمل معنى إضافيًا؛ فالمكتبة رمز للمعرفة والانفتاح، لكن العمل يطرح تساؤلًا حول الحواجز السياسية التي تحدّ من قدرة الفلسطينيين على الوصول إلى هذه المعرفة واستثمارها بشكل كامل".
فيما يَنظر مجد وهبة في عمله "حكايات" إلى المؤسسة متخيلًا مبناها مهجورًا، بحضور عناصر من أشجار ونباتات كإشارة لتجدد الحياة ونموها. يشارك يزن أبو سلامة بمشروع على الواجهة بعمله "سجن وردة"، نظرًا لاهتمامه بالمكان، كذلك بالفرصة الجيدة لطرح رؤيتيه كمشاهد وكفنان، ولتفكيك المبنى ونقده كشكل ومضمون هندسي.
بالعودة لعمري، تقول: "اخترت المشاركة في معرض "على الواجهة" لأن فكرته تلامس اهتمامي بكيفية حضور الفضاء العام في حياتنا ودوره في تشكيل وعينا الجماعي". كذلك يسعى مشروع "على الواجهة" بشكل جوهري إلى استكشاف علاقة الجمهور بالمبنى، إعادة تخيّل الفضاء المشترك: كأداة للتعبير، وإمكانية للانتماء، ومنصة لإنتاج معرفة بديلة.