تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

اختتام المساق الفني الاستقصائي في سلفيت

اختَتَم مشروع المواقع أنشطةَ المساق الفني الاستقصائي في سلفيت، بإنتاج معرض تحت عنوان "خمس دقائق"، أنجزته مجموعة من الخريجات والمعلمات وطلبة الأندية التي تم تشكيلها في ثلاث مدارس، هي: مدرسة بنات دير استيا الثانوية، ومدرسة بنات فرخة الأساسية، ومدرسة ذكور سلفيت الثانوية، بالتعاون مع جمعية مردة الخيرية للتنمية.


افتُتِح المعرض يوم 31 تموز 2025، واستمر أربعة أيام، واشتمل على مجموعة أعمال وأنشطة تفاعلية. 


جاء "خمس دقائق" في زمن تُدار فيه المناهج غالبًا بلغة الأطر الثابتة، ليُذكّر بأن خمس دقائق من اللعب، أو سؤال، أو تسجيل صوتي، قد تكفي لفتح نافذة تطلّ على مدرسة أخرى ممكنة.
استخدم المعرض الفنون لاستكشاف قضايا التعليم والمجتمع، كما المدرسة والنظام التعليمي، في فضاء من التفكير والتعبير والتعلّم والبحث الجماعي، وهو ما انعكس على طبيعة الأعمال المنتَجة الموزّعة بين التركيبات الفنية والوسائط الصوتية والمرئية، وقد طرحت تساؤلات مباشرة وبسيطة في آن: من هم الأطفال حين لا نوجّههم؟ ما قيمة دفتر طالبٍ فرغ من الكتابة؟ هل تربطنا المدرسة أم تقيّدنا؟

 

من بين الأعمال البارزة

برّا الصف: نشاهد في هذا الفيديو الرقمي مقطعًا مصورًا لأطفال يلعبون في حارات المدينة في الزمن الفاصل بين الدوام المدرسي والمساء. يلعبون الكرة بصيغ متعددة، يحاولون، وسط العشوائية، أن يصنعوا لغة مشتركة بينهم. في الخلفية، تهمس أصواتهم من المقابلات. 
يعرض العمل الأطفال على طبيعتهم، خارج الأسوار، متحالفين مع الحياة، لا مع المناهج. بين الصورة والصوت، تنكشف لحظة صدق بسيطة.. لكنها عميقة بما يكفي لنطرح سؤالًا: من هم الأطفال حين لا نوجّههم!


حقيبة مدرسية: تُعتبر «شنتة» المدرسة بكتبها السبعة وواجباتها المنزلية ثقلًا متعبًا يوميًّا في الطريق من المدرسة وإليها، في حين أنها ذاتها تصبح في الرحلة الترفيهية ثقلًا محبّبًا إن جاز اعتبارها ثقلًا. لذلك فإنّ الثقل في معنى المحتويات وجدواها ومدى اهتمام الطالب بها وليس في وزنها الفعليّ.



دفتر الطالب: حبل غسيل ودفاتر طلاب فارغة هي مصدر الإلهام لهذا العمل. فحبل الغسيل شاهد على أمهات يغسلن وينشرن ويرتبن الغسيل وحدهن، فتكون النتيجة: أم متعبة وأولاد مدللون يفتقدون مهارات أساسية في الحياة. "دفاتر طلابي الفارغة وأصواتهم الساكنة ذكّرتني كم أنا أم تبالغ كثيرًا في دورها على حساب راحتها وعلى حساب مهارات طلابها!".



مريول: غرفة تملؤها خيوط الصوف المتدلية من الأعلى، بألوان المدرسة: الأخضر والأبيض. تمتد الخيوط كالأشعة، وتتقاطع، وتلتف، وتعيد تشكيل الفضاء. هل تربطنا هذه الخيوط أم تقيدنا؟ هل تمثّل ذكريات، أم أوامرَ، أم نماذج متكررة؟ هنا، لا تُعرض المدرسة كجدران ومقاعد، بل كإحساس يتدلى من السقف، يتكاثر، ويمتد داخلنا. يفتح العمل سؤالًا بسيطًا: كيف نرى المدرسة... حين لا نراها كما اعتدنا؟



صوت الذاكرة: في هذا التسجيل الصوتي، تتحدّث الأشياء من قلب (سلّة القش) التي حملت خيرات أرضنا، ورافقت أمهاتنا في الحقول، واحتوت في طياتها تفاصيل حياتنا اليومية وأحاديث بيوتنا. اليوم، تُركت السّلة على الرفّ- في البيت، أو في المدرسة، أو في المؤسسة- صامتة، كأنها فَقدت وظيفتها. لكن من داخلها، يمكنك أن تسمع أصوات الماضي، وكأن الذاكرة وجدت مأواها الأخير بين خيوط القش. لتصبح السلة رمزًا مزدوجًا: لما مضى، وما لا يزال حيًّا في الذاكرة الجماعية للبلد. لكن، ما الذي يتبقّى في الذاكرة.. حين تصمت الأشياء؟ 



معمول "إنتِ مش زَي خواتِك": يسأل هذا الفيديو فيما اذا كان تماثل حبّات المعمول يعتبر دليلًا على براعة الصانع؟ أم على قوة القالب ومحدوديّة خياراته؟ وإن كانت دقّة الشكل وتكراره ميزة في حبّات الحلوى؟ هل يمكن اعتبار تكرار النُسخ إنجازًا داخل الصف؟ والمدرسة؟ وعبر الأجيال؟



كرة خارج الإطار: تطرح هذه اللوحة تساؤلات حول النظام التعليمي التقليدي، الذي يُقيّد الطالب داخل إطار من الحفظ والتلقين، بعيدًا عن الإبداع والمهارات الحياتية. تمثّل الكرة في العمل أفكار الطالب وطموحاته التي تسعى للخروج من هذا الإطار الجامد، بينما تشير الورقة المطبوعة واللون الأسود الطاغي إلى سيطرة النظام التعليمي على فكر الطالب، مما يعيق فهمه الحقيقي وشغفه بالتعلّم. "هل ما نتعلّمه اليوم يُشكّل مَن نكون... أم يُقيّد مَن يمكن أن نكون؟".


لم يكن المعرض مجرّد عرض أعمال، بل كان مساحة فعلية للحوار والمشاركة، حيث خصص اليوم الأول منه لطلبة الأندية ومشاركاتهم، من خلال عقد ورش عمل تفاعلية هدفت إلى منح الطلبة مساحات للتعبير والمشاركة بآرائهم واقتراحاتهم وتفاعلاتهم مع الأعمال، فأنتجوا العديد من الكتابات والتصاميم والرسومات المتأثرة بالمواضيع المطروحة، تضمّنت تصورات الطلبة عن مدرسة الأحلام، وانتقاداتهم لواقع المدرسة.

تحوّلت المخرجات إلى جزء من المعرض ذاته، واختتمت الأنشطة بحوارات مع الطلبة وجلسات تأمل جمعت الطلبة والمعلمات والخريجات، كما استمرت هذه المشاركة بحضور الطلبة وتفاعلهم مع الجمهور خلال أيام المعرض التالية. كذلك لم يقتصر تجاوب الجمهور العام مع الأعمال أيضًا على المشاهدة؛ بل تحوّل إلى كتابة وتعليق ومساهمات ضُمّت إلى المعرض، ما جعل التجربة حيّة ومتجددة. 

أما بخصوص المساق التأسيسي فقد هدف أولًا إلى تطوير مهارات فريق من الخريجات والمعلمات، في توظيف منهجيات تعليمية، وأدوات تربوية، في العمل مع الطلبة في سياقات إبداعية داخل المدرسة والمجتمع، بما يثري دافعية الطلبة، وينمي مهاراتهم القيادية والإبداعية.

تمثّل هذه الصيرورة بداية لبناء مستدام مع المدارس من خلال النوادي الطلابية، بهدف أن تظل المساحات الإبداعية مفتوحة يستمع إليها المجتمع، حاملةً جوهرًا واحدًا، وهو إعلاء صوت الطلبة، وجعله صادحًا مسموعًا في المدرسة والمجتمع، من خلال بناء مبادرات طلابية بالشراكة مع المجتمع المحلي ومؤسساته تدعم استقلاليتهم وكفاءتهم ودورهم في المدرسة والمجتمع، وتعزز انتماءهم لقضايا مجتمعهم وبيئتهم.